إخفاء
  • سلة الشراء فارغة !

البقاء للأعنف: نظرة في جذور الراديكالية

المؤلف عمر الحمادي
    السعر
  • 58.65 SAR

السعر بدون ضريبة : 51.00 SAR
يقول عالم النفس (جوناثان سميث) في كتاب (العلم الزائف)، إن الناس ينفقون الملايين في سبيل العلاج من خلال التحكم في مجالات الطاقة والقراءات الروحية والعلاج بالإيمان، وقد يُقدِم البعض على عمليات انتحارية وقتل الناس مدفوعين بالوعود الأُخروية المجزية، فماذا نحن فاعلون إزاء هذا العالم من الادعاءات الاستثنائية التي هي ذاتها في حاجة إلى أدلة استثنائية لدحضها؟ فلا أحد يريد لصندوق الشرور -الذي يُسمى في الميثولوجيا اليونانية «صندوق باندورا»- المليء بالمخاطر والمصائب المجهولة أن ينفجر في وجه الجميع.تصبح المعتقدات الخارقة خطرة عندما تُعتنق بحماسة مطلقة، وخصوصًا إن كانت هذه المعتقدات عالية المستوى، فبعض أصحاب المذاهب يميلون إلى الصدامية عندما يريدون تطبيق الادعاءات الخارقة على أرض الواقع. يكشف التاريخ أن العقيدة الجامدة والمتطرّفة لها قوة باقية لا يمكن إنكارها، وهي مستمدة من مكاسبها النفسية التي تتضمن الراحة النفسية، فالاعتقاد المتصلب يقلل من التنافر الإدراكي والقلق العقلي ويمنح الإنسان راحة نسبية في مساحة تفكيره وتأمله.وجدت دراسة في عام 2007 أنه رغم تبديد العلم للسحر وتقديمه تفسيرات مادية وبيولوجية وكيميائية فإن الناس ما زالوا يواظبون على تقبل المئات من الطقوس الصغيرة اليومية التي يعترفون بأنها أمور لا عقلانية، فالإحساس بامتلاك قوى خاصة يرفع من الروح المعنوية للناس ويساعد على الحدّ من المخاوف اليومية وتفادي الاكتئاب الذهني.يقول العلماء إنه مع تطور البشر إلى حيوانات اجتماعية ووصولهم إلى مستويات مرتفعة من الذكاء بعد الخضوع لفترة طويلة من الرعاية الأبوية، صار عليهم أن يحلوا مشاكلهم الأساسية عن طريق تكوين علاقات مع الآخرين. في السياق الاجتماعي هناك ميل إلى طاعة السلطة، يواجه الطفل ثلاثة أسئلة: «من المسؤول عن هذه الأمور؟ ماذا يريد هو أو هي؟ ماذا أفعل أنا؟».يفترض الباحثون وجود ثلاثية تتحكم في القيم الأخلاقية التقليدية عند الإنسان، فالآباء يمرّرون الجينات التي قد تؤثر على السلوك سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر، والآباء يتحتّم عليهم توفير بيئة تستطيع تنشئة واحتواء أطفالهم، مدى تأثير هذين السببين على تنمية النزعة السلطوية يبقى سؤالًا خاضعًا للبحث. رصد الباحثون في علوم السلوك ثلاث نزعات تحكُم الإنسان؛ النزعة الدينية: من يتحكم في الكون؟ ونزعة المحافظة: كيف ينبغي تنظيم المجتمعات؟ والنزعة السلطوية: كيف ينبغي تنظيم العائلات؟بين هذه النزعات، صار الناس يتساءلون عن دوافع المتطرّف للتوحش بدون أن يتردد أو يردعه وازع داخلي، هل السبب هو معتقده وتراثه الديني؟ بيئته الاجتماعية؟ وضعه الاقتصادي المتردي؟ تركيبته الجينية والبيولوجية؟ أم علة مرضية عضوية في دماغه؟ هذا ما نريد التعرض له في هذا الكتاب، لكن قبل ذلك، دعونا نلقي نظرة على بعض ملامح التطرّف الموجودة في عالمنا حتى ندرك أشكال وأنواع بذور الفتنة قبل محاولة تجفيف ثمارها، فالوقاية كانت -وما زالت وستبقى- خيرًا من العلاج.فن التلاعب بالأرواحاعتلى أول خليفة في القرن 21 منبر مسجد الموصل في مشهد دراماتيكي ليعلن بروتوكولات حكماء «داعش»، مرتديًا ساعة «رولكس» تبلغ قيمتها ستة آلاف دولار ربما تكون غنيمة غزوة ناجحة، أو هي ساعة مقلدة اقتناها من أحد أسواق النخاسة التي لا تعترف بالملكية الفكرية لكفار الروم والفرس. بعد الكرّ والفر مع العالم المتحضر، انزوت راية «داعش» في العراق والشام لا سيما بعد ارتفاع راية الكورونا في مطلع سنة 2020، وصار شعار المرحلة: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع الفايروسات التي لا تفرق بين صديق وعدو، ولا بين إنسان عاقل أو إرهابي. ثم مع انكماش الجائحة رجع الناس إلى ما كانوا عليه قبلها، ورجعت إلى الظهور المركزيات التي اختفت بسبب رذاذ وغبار الفيروسات.مع انبهار مؤيدي التيارات المتطرّفة بتجلي الخليفة «الداعشي» لهم، يظهر على السطح سؤال: هل يصنع الأفراد قائدهم أم أنهم صنيعة كاريزما ذلك القائد؟ يتحدث عالم النفس والفيلسوف (إرنست بيكر) في كتابه الأهم (إنكار الموت) عن شخصية (المانا)، التي هي شخصية مهيمنة على «لا وعي» الناس وقد تتمثل في صورة زعيم أو ساحر أو قديس تحوّله إلى بطل شبيه بالإله في صفاته، يرسم الأتباع لهذا الكائن البشري هالات مشعة لا توجد إلّا في عين الناظر المُقدس له، وهم مستعدون للانخراط في جماعات من ورائه كالأطفال الذين يحرّكهم الصوت الداخلي لآبائهم، إنهم في توقٍ إلى أن يُنوَّموا من أجل الحصول على ذلك الشعور الغامر بالحماية تحت رعاية والديهم، وهم لا يشعرون بالوحدة والتفاهة والعجز لأنهم منعمون بالقوى الجامحة لقائدهم الذي لا يشعر بالخزي والإذلال الذي يقيّد جماهيره. وإذا ما فُقد هذا القائد فقد يتصرف أتباعه بطريقة هيستيرية بسبب فقدان الحصن المضاد لليأس.إنها علاقة تبادلية بين القائد والتابع الذي يمهد الطريق لبناء التخليد الجمعي للبطل، حتى الشيوعيين الذين أغلقوا الكنائس والمعابد لم يقووا على فراق قائدهم (لينين) فقاموا بتحنيطه ودفنه بجانب حائط الكرملين ليكون مزارًا معظَّمًا لهم يزيل عنهم مخاوفهم المقدسة.الإرهابيون هم سادة فنّ التلاعب بالأرواح كما يعبر المفكر والمؤرخ (يوفال هراري)، إنهم يقتلون قليلًا من الناس ويروعون مليارات آخرين، ويهزون الأجهزة السياسية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. يقضي مرض السكّري على 3.5 مليون شخص كل عام ويقتل تلوث الهواء 7 ملايين، بينما يُقتل 25 ألف سنويًّا، إلا أن الخوف من الإرهاب أكبر من الخوف من السكري والتلوث وحوادث المرور، وقد يغير حكومات منتخبة. إستراتيجية الإرهاب هي نشر الخوف بدلًا من التسبب في أضرار مادية، فالمجموعة الضعيفة لا تستطيع إلحاق أضرارًا مادية كبيرة بأعدائها كما تفعل الحروب التقليدية، هم مثل ذبابة تحاول تدمير متجر خزف، تتركز إستراتيجيتها في الزنّ في أذن الثور الذي يصاب بالذعر ويبدأ بتدمير المتجر.هم لا يملكون خيارًا غير تقديم عرضًا مسرحيًّا من أجل استفزاز العدو والتسبب في ردة فعل مبالغ فيها، تصوير مشهد حرق طيار يزرع الخوف في قلوب ملايين الناس ويضطر الحكومات إلى إظهار عظمة الأمن والمبالغة في التدابير الوقائية، إنهم يأملون أن يقوم العدو بإعادة خلط الأوراق وتسليم الإرهابي -الذي لا يملك شيئًا يخسره- ورقة رابحة غير متوقعة.الدولة يجب أن تقاوم الاستفزازات حتى لا تتزعزع شرعيتها. حدوث وباء الطاعون في القرن الرابع عشر لم يهدّد عروش ملوك أوروبا -رغم قتله ثلث شعوبهم- لأنه لم يكن هناك من يعتقد في ذلك الوقت أن الوقاية من الوباء من مسؤوليات الملك، أما الحوادث الإرهابية فتستطيع تقويض الأنظمة القائمة شرعيتها على توفير الأمن لمواطنيها، فلم يعُد من المقبول سياسيًّا السماح للعدو بممارسة العنف داخل أراضي الدولة مهما كان حجمه صغيرًا، وصار تقدم الدولة يُقاس بمدى صرامتها في منع حوادث العنف السياسي. حادثة قتل في بلجيكا تجذب انتباهًا أكثر من حوادث تفجير مفخخات في سوريا أو العراق، وذلك بسبب اختلاف الأوضاع السياسية في تلك المناطق الجغرافية.

كتابة تعليق

التحقق

كتب ذات صلة

المنتج غير متوفر حاليًا. أدخل عنوان بريدك الإلكتروني أدناه وسوف نقوم بإبلاغك بمجرد توفر المنتج.

 
 

 

 

البريد الالكترونى
رقم الهاتف