إخفاء
  • سلة الشراء فارغة !

الحضارة الاسلامية روح الاعتدال واليقين

    السعر
  • 41.06 SAR

السعر بدون ضريبة : 35.70 SAR
إن الروح البشري عادة ما يصرخ في أول خروج له من رحم الوجود الإنساني كما لو انه يرد على أنفاس الوجود بلغة تبدو للوهلة الأولى الصيغة الوحيدة الممكنة للقول بان حياة قد ظهرت وأنفاس قد تحررت من رق التعلق بالأسلاف. فهو مضطر للابتعاد عنهم مع كل خطوة يخطوها إلى الأمام، كما انه ملزم بالوقوف لتأمل وجوده المستقل مع كل خطوة متحررة من إسار الماضي. وهو تحرر يجبره على تأمل أفعاله بمعايير الانتماء الصادق للنفس والإخلاص لتجارب الأسلاف. وهي عملية تعلمه معنى الحقيقة القائلة، بان كل يقين جديد يفترض إدراك وتأسيس معقوليته المتجددة. وكلما يتعمق هذا اليقين، كلما يصبح إشكالية مقلقة للعلم والعمل.وقد بلورت هذه الإشكالية في الوقت نفسه روح البحث عن اليقين. وتميز هذا الروح في الحضارة الإسلامية بمفارقة احتوائه على الاختيار المجبور في تأمل أفعاله بوصفها بحثا عن الاعتدال. ولا يعني البحث عن اليقين هنا سوى معقولية الانتماء للأسلاف والإخلاص لحقيقة تجاربهم في العلم والعمل.فقد كانت الحضارة من حيث فاعلية قواها الداخلية حركة صراع صهرت في أعماقها المعقول والمنقول، والعقل والوجدان، والروح والجسد، والدين والدنيا. وهي مكونات متناقضة بمعايير العقل المقارن، متكاملة بمعايير العقل الثقافي، صنعت مرجعيات الثقافة وأعادت إنتاجها من خلال تذليل جزئية الرؤية وضيق الانتماء المذهبي. كما وضعت كل إبداع متجدد أمام امتحان استمراره المعقول والمقبول ضمن منظومة الوجود الثقافي للأمة. وهو امتحان يصعب تذليل عقباته دون "بذل الروح".وبذلت الحضارة الإسلامية في ميدان البحث عن اليقين والاعتدال أحد أجزاء روحها الكبير من أجل استكناه ذاتها وموقعها في عالم الإبداع العقلي، وتقاليد الوحي النبوي، وبقايا الوثنية الغابرة. وهو استكناه رافق ولازم خلافات الأمة الناشئة واحترابها الداخلي. وإذا كان الوعي الإسلامي اللاحق قد بذل قصارى جهده لاستلهام تقاليد الرحمة والاستغفار لما مضى، فإنه وجد في الاختلاف أيضا "سنة الله" الدائمة في الوجود. وبهذا يكون قد حافظ على استمرار الوحدة المرنة لما يمكن دعوته ببراهين الرحمة الميتافيزيقية وفعالية العقاب الفقهي. وهي وحدة استمدت مقوماتها من جدلية البحث عن اليقين والاعتدال، التي شكلت أحد الأرواح الثقافية للحضارة الإسلامية.فقد أعطت للفرقة تأويلا "شرعيا"، ولاستمرارها أساسا منطقيا. وليست الأحاديث الشهيرة عن افتراق الأمة الإسلامية إلى نيف وسبعين فرقة الناجية منها واحدة، و"اختلاف أمتي رحمة"، و"لا تجتمع أمتي على ضلالة"، سوى الصيغ المناسبة لبدايات الصراع السياسي، وملامح تكونه النظري الأول. وهي أحاديث لعبت دورا هائلا في تعميق وتقنين مختلف جوانب الإبداع الفكري، كما شكلت في الوقت نفسه عناصر "المنهجية" الخفية لحصر عدد الفرق الإسلامية الآخذة في التنوع والتعدد.فقد كان التعدد والتنوع نتاجا لتداخل الدين والدنيا، والسياسة والروح. من هنا اتخاذه صيغ الثنائيات المتناقضة، التي عادة ما تميز الفكر في مراحل الصراع الحادة. وقد جرت ببطيء كما هو الحال في كل عملية حضارية كبرى. حيث مرت شأن كل نضوج ثقافي عبر دهاليز الفكر النقدي والتقليدي، العقلي والنقلي، الخوارجي والشيعي والمرجئي والمعتزلي وغيرها. ومع ذلك لم يكن بإمكانها أن تسير إلى ما لا نهاية في عالم النهاية. فإذا كان الاتفاق العام حول فرق الإسلام الثلاث والسبعين قد وضع حدا لشهية الإضافات الدائمة، فإنه لم يقض على إمكانية الإضافة الدائمة كفروع لأصول. وبهذا يكون "الوعي الإسلامي" قد خطا في ثقافته نحو الحدود الضرورية التي أبدعتها له تصورات القرآن ويقينياته الجازمة.إذ كان ينبغي لهذا الوعي أن يقف عند حدود ملموسة، إن أراد تأمل اللامتناهي. وهي نظرة استمدت مقوماتها الأولى من حدس واحدية الحقيقة وتنوع الضلال، التي شكل القرآن نموذجها المتسامي ومرجعيتها الروحية. وقد مثل علم الملل والنحل، أو علم الموسوعات الفلسفية والدينية أحد نماذجها النظرية الرفيعة. وليس مصادفة أن يبدأ أول الأمر بتصنيف ودراسة الفرق الإسلامية لينتهي بفرق ومدارس مختلف الأديان والحضارات، ويعبر منها إلى دراسة الحضارات وخصوصية أرواحها الثقافية. فهو الانتقال الذي يعكس تراكم مرجعية الاعتدال العقلاني في البحث عن اليقين عند الأوائل والأواخر.

كتابة تعليق

التحقق

تخفيض على الكتب

50%

تصفح كتب العرض

تخفيض على الكتب

15%

تصفح كتب العرض

تخفيض على الكتب

10%

تصفح كتب العرض

كتب ذات صلة

المنتج غير متوفر حاليًا. أدخل عنوان بريدك الإلكتروني أدناه وسوف نقوم بإبلاغك بمجرد توفر المنتج.

 
 

 

 

البريد الالكترونى
رقم الهاتف