البطل في ثلاثية سهيل إدريس

إن الروايات الثلاث التي اختص بها البحث المطروح في هذا الكتاب وهي: "الحي اللاتيني" و"الخندق الغميق" و "أصابعنا التي تحترق" هي الإنتاج الروائي الوحيد الذي أصدره الدكتور سهيل إدريس، وهي تستمد قيمتها من مدى تعبيرها عن الفترة التي صدرت فيها، إذ إن فترة الخمسينات وبداية الستينات مثلت بالنسبة إلى الوطن العربي ولبنان على حد سواء، مرحلة مليئة بالتناقضات والصراعات على جميع المستويات السياسية منها والاجتماعية والثقافية والحضارية.كما أن لهذه الروايات قيمة فنية تجعلها ضمن نوع قصصي نادر في الفن الروائي العربي ألا وهو نوع الثلاثية. والملاحظ أن موضوع هذه البحث يقوم أصلاً على اعتبار بطل الروايات الثلاث بطلاً موحداً، وهذا ما دفع الباحث إلى إعادة ترتيب الروايات وبالتالي تقديم رواية "الخندق العميق" على "الحي اللاتيني" رغم تأخرها عنها من حيث الكتابة والصدور، وهذا التصنيف هو الوحيد الكثير بدعم مبدأ الثلاثية، إلا أن اعتبار هذه الروايات أجزاء ثلاثة لكلِّ واحد ليس نابعاً من فراغ، إذ أن الكثير من النقاد أشاروا إلى ذلك خاصة في إطار نظرتهم إلى الروايات الثلاث من جانب السيرة الذاتية، ومن خلال ربطهم بين بطلها "سهيل ادريس"، فبطل الثلاثية، الذي هو أولاً وبالذات بطل روائي يحمل الكثير من بصمات صاحبه، ليس إلا ابن زمانه ومجمعه، وأنه يحمل أيضاً الكثير من بصمات الواقع.وحتى يقدم الباحث فكرة عن هذا الواقع الذي عاش فيه البطل وصدرت فيه الروايات وضع مدخلاً يبرز ولو بصفة غير معمقة، الوضع العربي واللبناني في النواحي السياسية والاجتماعية والفكرية، وذاك مكّنه في الوقت نفسه من وضع الدكتور سهيل إدريس في مواضيعه من جيله قبل التعريف به إنساناً وأديباً كما مثل هذا المدخل سنداً بنى الباحث على أساسه مفهوم البطولة، وقد اختار له عنوان "الصراع" الذي اتخذ مظاهر عدة على امتداد المسيرة، أما القسم الأكبر من البحث فخصصه بمسيرة البطل وأبعادها، معتمداً منه بالدرجة الأولى على استقراء النص ثم على آراء النقاد ودراساتهم، معاملاً البطل على أساس أنه بطل روائي وُجد في ملابسات معينة، متجاهلاً تماماً جانب السيرة الذاتية الذي ركز عليه الكثير من النقاد، والباحث إلى جانب ذلك لم يضع التحليل ضمن منهج نقدي مضبوط لأنه استعان بكل ما يمكن أن يساهم في بلورة شخصية البطل من معطيات نفسية واجتماعية وثقافية... وتجدر الإشارة إلى أنه لم يخصّ الأبعاد بقسم في البحث، بل هو ربطها مباشرة بالتحليل وقدمها على مدى المسيرة تحاشياً للاجترار والتكرار.خصص هذا البحث لمسيرة البطل وأبعادها في ثلاثية سهيل إدريس الروائية "الخندق الغميق" و"الحي اللاتيني" و"أصابعنا التي تحترق"-وقد اعتمد الباحث على استقراء النص وآراء النقادر ودراستهم.وتستمد ثلاثية سهيل إدريس قيمتها من مدى تعبيرها عن فترة الخمسينات وبداية الستينات، هذه الفترة التي تمثل بالنسبة إلى لبنان والوطن العربي مرحلة مليئة بالتناقضات والصراعات على جميع المستويات السياسية منها والاجتماعية والثقافية والحضارية.