الحياة في الظل : مثليون عراقيون في دائرة الضوء

الحياة في الظل:مِثْليون في بغداد - دراسة أكاديميةما هي دوافع (البغاء الذكوري)"الميدان" و"البتّاوين" بؤرة الشذوذ الجنسي !لم يستطع هذا المقال القصير أن يعبر حواجز الممنوعات في النشر العربي حيث اعتذرت عن نشره أكثر من صحيفة عربية لأسباب "العيب" الذي يناقشه الكتاب المعروض أمامكم.وارد بدر السالم..لم يكن التغيير السياسي في المجتمع العراقي بعد 2003 سالكاً الى الجمال والتعبير النقي في الكثير من فقرات الحياة اليومية لاسيما الحريات الفردية، بقدر ما كان ممراً لظهور عيوب وثغرات اجتماعية غير هيّنة أسست وتؤسس لثقافة هجينة في المجتمع العراقي، الموصوف بأنه مجتمع محافظ على مدار دوراته الاجتماعية والإسلامية، وربما كشفت وتكشف العديد من الدراسات المنهجية المحكّمة مثل هذا الهجين الذي يشكل ممارسات استثنائية في السلوك الفردي وربما الجماعي؛ كالبغاء والإتجار بالنساء والأعضاء البشرية واستئجار الأطفال لأغراض التسول، ومن ثم السلوك الجنسي المِثلي الذي نقف عليه في هذه الدراسة الأكاديمية المهمة لمؤلفها الباحث واثق صادق التي حملت عنوان (الحياة في الظل - مٍثليون عراقيون في دائرة الضوء- واثق صادق) وهي دراسة رائدة في ميدانها الاجتماعي بلا شك ، بل هي الأولى كما نحسب وتقع في 300 صفحة.بعد خمسة مداخل تشتمل على النتائج المستحصلة وتقييمها الواقعي، يطوف الباحث في موضوعة "المِثْلية" كسلوك ومفهوم قديم ليس غريباً تماماً عن البشرية، وموقف الاديان والتاريخ الاجتماعي منه ، مرورا بواقع المثليين في العالم العربي وموقف القوانين الرسمية منها، الى التحليل السوسيولوجي للمثلية الذكورية، ومن ثم خلاصات للمثلية الذكورية العراقية كما لمسها بحثياً ومن واقع ميداني فيه شواهد عملية حقيقية كعيّنات دراسية، ويعزز كل هذا بملاحق متعددة من منشورات إلكترونية ومجموعات وجروبات تختص بإشاعة المثلية وتدعو لها، الى رسومات كاريكاتورية إيضاحية كملحق يفسر شيئاً من الحالة المدروسة.• جلجامش المِثليعلى أن العودة التاريخية لمثل هذا الموضوع كانت مطلوبة لتعزيز مثل هذا الأثر الناشز اجتماعياً ونفسيا وخلقياً ، وقراءة دوافعه ابتداءً من فرضية المثلية بين أنكيدو وجلجامش وكهنة المعابد وقدماء المصريين من الآلهة وأشباههم، وصولاً الى فرضية مَيل العرب الى استحصال اللذة من الغلمان والمردان، وانتهاءً بتأثير الفرس المستعربين على الحالة الاجتماعية في بغداد في مختلف عصورها ، لاسيما بين القرنين الثالث والرابع هجري حتى العهد العثماني الذي انتشرت فيه ظاهرة المثلية الذكورية.وفي هذه الفرشة غير القليلة سنجد متسعاً من المجال لمعاينة هذا الأمر الخطير ميدانياً سعى الباحث لتوكيد إجراءاته البحثية الصادمة؛ بعيداً عن الحساسية الاجتماعية والدينية المفرطة التي غطّت الكثير من العيوب الاجتماعية، التي كان يمكن دراستها وفهم دوافعها ومن ثم الحد من انتشارها ، كما يحصل الآن في ظل انفلات اجتماعي شامل كرد فعل غير محسوب على الحياة الجديدة في ديموقراطيتها المعممة، واعتبار أن كل التصرفات الهجينة تقع ضمن الحقوق الفردية التي ينادي بها الدستور!• طالب دكتوراهيقف هذا البحث المهم على مستويات ميدانية كثيرة ويصل الى نتائج واضحة أغلبها يقع في خانة الظروف الاجتماعية السلبية التي تساعد على شيوع الظواهر غير المقبولة اجتماعيا ودينياً ؛ فالمدينة حاضنة وجاذبة للشذوذ وهي التي تساعد على ظهور الممارسات الجنسية المثلية الشاذة ، عكس القرية التي يكون فيها الضبط الاجتماعي والديني في أقصى درجاته. فالمدينة منفتحة ومشاعٌ فيها كل شيء، كونها خليطاً بشرياً بثقافات عشائرية واجتماعية متعددة ومرجعيات غير واعية أو نافذة ومؤثرة في الوعي الجمعي.النماذج التي درسها الباحث ذات مستويات متباينة ، فمن دارس للدكتوراه والماجستير حتى المراهق البسيط ، يكون هذا البحث قد شمل مجموعات واسعة من الشرائح الاجتماعية في كشف الحالات المرضية التي تبرر مثل هذه الأفعال الشاذة، فطالب الدكتوراه يعبّر عن المستوى النفسي لشذوذه بأنه ( يرى في داخله أنثى مسجونة في جسد رجل) وهو تبرير له عوامله النفسية غير الواضحة كلياً. وقد يبدو مثل هذا التبرير ساذجاً وهروباً من حقيقة أسباب الشذوذ ومسبباته الحقيقية ؛ وغير هذا الدكتور المستقبلي ، يسبّب الظرف الاقتصادي وسوء الأحوال المادية وشيوع البطالة، فألجأته الى هذا الشذوذ تحصيلاً للمال، وهناك من وجدوا أنهم متورطون في هذه الحساسية الاجتماعية والدينية عبر آخرين قادوهم الى هذه المصادفات التعيسة، وآخرون يشعرون بأنهم مرضى اجتماعيون ولا يعرفون الخروج من هذه الدائرة المغلقة ، وبالتالي وقف الباحث على النشأة الاجتماعية والظروف الاقتصادية على المبحوثين في هذه الدراسة ، وهم في الأغلبية العظمى ليسوا من مراكز المدن إنما من أطرافها أو من الريف المجاور لها ، عندها تكون المدينة جاذبة وصادمة أيضاً.مثلما وقف الباحث على التحصيل العلمي / وهو متباين لعيّنات البحث ، ومهنهم / عاطل - كاسب - طالب / والتأثيرات التي أدت الى هذا السلوك الهجين والعلاقة المباشرة بين الوالدين والأسرة / مفككة جزئياً - مفككة كلياً / والمؤثرين الذين يدعون الى هذا السلوك المنحرف / الجار - الصديق - القريب - مسؤول العمل/ انتقالاً الى أمكنة البحث التي تحدث فيها مثل هذه الزيجات وأهمها منطقة (الميدان) المعروفة بمهنها الحرفية واليدوية البسيطة وتدوير الأغراض اليومية والتي يكثر فيها العاطلون عن العمل ، بما يمكن أن تكون محطة لمثل هؤلاء الشاذين السلبيين الذين يغررون بالمراهقين والعاطلين ممن يعانون من النبذ الاجتماعي؛ ثم منطقة (البتاوين) المعروفة بفنادقها الرخيصة ومجتمعها الوافد المشبوه ، مما تشكل حاضنة مثالية لشيوع المثلية الذكورية على نطاق معين، وهكذا فأن أسراً افتراضية في هذه الأحياء تقوم على اساس المشابهة والمماثلة كما يقول الباحث.يتوصل الباحث الى نقاط كثيرة ساهمت في إيجاد البغاء الذكوري ، وأهمها على ما يبدو هو التفكك الأسري وعدم الضبط الاجتماعي وقلة الوازع الديني لدى الفئات الهامشية من الكسبة والعاطلين ممن هم وافدون الى المركز - بغداد (بؤرة الممارسة) وأغلبهم من غير المتزوجين، مثلما هناك مسافة مقطوعة بين هؤلاء وأسرهم ، حتى بات (تصفير القيم الاجتماعية لديهم) حالة طبيعية بسبب لجوئهم الى محرمات من هذا النوع غير السلوك غير الصحيح في التعاطي مع الحياة.الحياة (الجديدة) التي تلمسها العراقيون عبر 19 سنة من الحكم الجديد أفرزت مثل هذه النماذج السلبية المؤثرة في السياق المجتمعي العام، وتعد هذه الدراسة الشائكة نوعاً من إلقاء الضوء المباشر على حساسيات اجتماعية تكاد لا تُرى بسبب سريتها ، ومن ثم فأن البغاء الذكوري المزدوج حالة يبدو أنها شاعت في أجواء ما بعد 2003 ضاربة عرض الحائط القيم الاجتماعية والدينية، متسببة في وضع ملتبس جديد نخشى أن يكون ظاهرة مَرَضية تصعب معالجتها في مستقبل البلاد.- من إصدارات دار المعقدين - البصرة