إخفاء
  • سلة الشراء فارغة !

    السعر
  • 42.62 SAR

السعر بدون ضريبة : 37.06 SAR
تأتي الدفوع الاجتماعية علي رأس مفجرات الهوس لمعظم القصص " ثمن الغربة" للكاتبة كوثر زكي سرحان وذلك علي حساب انحسار أو تواري دفوع أخري كالدفوع القومية أو العقائدية على سبيل المثال ؛ لكنها من ناحية أخري مشبعة بالدفوع العاطفية الوجدانية أو الجسدية الحسية .. الخ .. فالكاتبة تعكس الواقع الاجتماعي الشعبي – لا أقول الزقاقي - بل الريفي علي وجه خاص ؛ بل شديد الخصوصية ببراعة عفوية تجعل القارئ يعايش أدق تفاصيل هذا الواقع علي كل المستويات من مأكل وملبس وعادات وتقاليد .. الخ .. من الطبيعي إذن أن يتواجد القاموس الاجتماعي الشعبي في هذه الكتابة : الطرحة – الصُرّة – الدقة – الكراويته – الطاقية – الشخشيخة ...كما يشيع القاموس القروي : الأرض – الحقول- الترع – القنوات – الأشجار – التوت – الباذنجان – الزهور – الخضرة ... الخ ..المجموعة تتكون من ست عشرة قصة قصيرة ؛ لكنني أستثني منها قصتين لا أعتبرهما ينتميان لفن القصة القصيرة ؛ ألا وهما : قصة ( ثمن الغربة ) وقصة ( صحوة الموت ) فهما ينتميان – كما أري – لفن القصة الطويلة أو لنقل الرواية القصيرة ؛ وذلك أن للقصة القصيرة عناصر مهمة تتضافر وتتشابك لتخرج في النهاية هذه التركيبة الإبداعية الإنسانية، ولا نزعم أن هناك من يمكنه أن يضع "أسسًا" للفن؛ حيث يميل الفن إلى التنافر مع التأطير ومحاولة الاحتواء، لكننا نحاول مجرد الوقوف على أهم عناصر وتراكيب فن القصة القصيرة، الذي يضفي عليها مزيدًا من الجمالفهناك من انطلق في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تُقرأ في جلسة واحدة ... وهناك من رأى أنها قطعة من الخيال، ومن ركز على الحكاية، ومن اعتمد على عدد الكلمات ..وإذا أمعنّا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات؛ فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة .وإن التركيز والتكثيف يمكِّنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي، ويبدو حشوًا يرهّل النص، ويضعف أثره الجمالي.من هنا فالقبض على لحظة حياتية عابرة هو سمة القصة القصيرة وهو ما تحقق في جميع قصص هذه المجموعة ما عدا القصتين اللتين أشرت إليهما حيث تعددت اللحظات والحوادث وتنوعت الأماكن والأزمنة ؛ وكثرت الشخوص الفواعل مما جعل قماشة القصة قماشة عريضة هي أعرض بكثير من كونها قصة قصيرة ؛ بل هي أقرب إلى قماشة رواية.فقصة ( ثمن الغربة ) على سبيل المثال وهي القصة التي رأت الكاتبة أن يكون عنوانها عنواناً للمجموعة ككل تبدأ بقرار العودة من الغربة لحضن الوطن ؛ ثم الوصول للمنزل ؛ وبعدها تتجلى المعاناة مع الوحدة والشجن والخوف من المرتقب بعد مقابلة أخوة الزوج الفاترة للزوجة – الذات الساردة – ثم اللجوء لنوع من الذكريات مع الزوج الحبيب والصديق وردود أفعال أهله – نظرات التشفي والشماتة – وسرد بعض المضايقات التي تعرضت لها في الماضي – حالة من الفلاش باك – تستعرض خلالها الكاتبة الكثير جداً من التفاصيل عن حياتها الماضية ؛ مرحلة الجامعة ومرحلة الخطوبة ؛ والتعرض لماضي الزوج وكيف كان يعمل وهو في المرحلة الإعدادية والثانوية ؛ ومراحل من حياة أخوة الزوج ؛ الأوسط والأصغر حتي زواجهما ثم كيفية تحول المعاملة إلى التفرقة بين الزوجات ؛ مرحلة الماجستير والدكتوراه ؛ ؛ خمس عشرة سنة من الدراسة والعمل ؛ معاناة مع المرض ثم الشفاء ؛ دور الأم – الجدة – رجوع الزوج واستعادة أيام العرس والسعادة ؛ ثم انقلاب حال الزوج ؛ وتنتهي القصة بحكمة " لا سعادة في الدنيا ولا فرار من الموت " ... قماشة عريضة جداً – كما أسلفت هي قماشة رواية أكثر منها قصة قصيرة .. وبالإجمال نستطيع القول: إن القصة القصيرة تتناول قطاعا عرضياً من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفاً تستشف أغوارهما، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القارئ، وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيها الوحدة الفنية شرطاً لا محيد عنه فهي أحدوثة شائقة. مروية أو مكتوبة، يقصد بها الإقناع أو الإفادة وبهذا المفهوم الدلالي؛ فإن القصة تروي حدثاً بلغة أدبية راقية عن طريق الكتابة، ويقصد بها الإفادة، أو خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها، وتضافر حوادثها وأجوائها التخيلية والواقعية.‏إن القصة القصيرة لا تحتمل غير حدث واحد، وربما تكتفي بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث تم بالفعل أو متوقع حدوثه، ولا يدهش القارئ إذا انتهى من القصة، ولم يعثر بها على حدث؛ إذ يمكن أن تكون مجرد صورة أو تشخيص لحالة أو رحلة عابرة في أعماق شخصية، لكن لأن القصة القصيرة -على خلاف الرواية- عادة ما تركز على شخصية واحدة تتخذها محورًا ومنطلقًا، لا بد أن يكون هناك شخصيات أخرى تقدم خدمات درامية لهذه الشخصية، كما تتكشف لنا من خلال هذه التفاعلات والاشتباكات. ولهذا تتضح أهمية الحدث وأهمية أن يكون فعلاً قويًا شديد التركيز والسلاسة وشديد التعبير أيضًا عن الحالة النفسية لأبطال العمل؛ لأن القارئ إذا لم يجد هناك حدثًا مهماً وفاعلاً فسينصرف عن متابعة العمل؛ إذ إنه فقد الحافز المهم وهو الحدث.. إن الحدث هو ما يمكن أن نعبر عنه في أقل عدد من الكلمات.ففي قصة ( الانتظار ) يتحدد الحدث بما يدل عنوان القصة حيث هي بالفعل لحظة انتظار حتي وإن لم يتحقق اللقاء مع نهاية القصة لكن البطلة تستطيع في النهاية أن تنتصر على قلق الانتظار .. وهكذا يمكن تحديد وبلورة الحدث لكل قصة بأقل عدد من الكلمات ؛ وكل ذلك قد توفر في جميع قصص المجموعة ما عدا هاتين القصتين :( ثمن الغربة ؛ وصحوة الموت ) ..وقصة ( صحوة الموت ) .. أيضاً تعتمد الفلاش باك كما في قصة ( ثمن الغربة ) فهي تبدأ بحالة مخاض الزوجة وآلام المخاض التي تنتهي بوضعها بنتاً جميلة يحسدها الجيران على زرقة عينيها وتفرح بها حماتها ؛ لكنها في ذات الوقت تفقد والدها لحظة وضعها لابنتها ؛ وبعد انتهاء مراسيم العزاء تأتي الأم لتساند ابنتها وتخفف عنها وطأة الولادة والحزن فيتذكرا معاً البداية .." لفت نظرها وجود شئ بملابسها الداخلية ؛ حدقت فيه فترة ما هذا ؟ أنها بقعة دماء .. ارتدت ملابسها على عجالة ؛ وخرجت تستوضح الأمر ؛ فعرفت أنها علامة الولادة أحياناً تسبق آلام الوضع ... ذهبت إلى الطبيبة التابعة بعد زيادة الآلام ومهاتفتها .... استجاب الله لها ورزقها بطفلة كالبدر ... عادت إلى البيت ؛ استقبلتها حماتها بفرحة غامرة ونظرات محيرة تخفي وراءها ما حدث ... وفاة والدها ... كان ينتظر قدومها لتقلم له أظافره ... بعد انتهاء مراسيم العزاء جاءت الأم لتساند ابنتها وتخفف عنها وطأة الولادة والحزن فيتذكرا معاً البداية ؛ ...وهنا يبدأ الفلاش باك وتبدأ الكاتبة في سرد مواقف حياتها وحياة زوجها وجميع أفراد العائلة في شبه رواية كثير التفاصيل والحوادث والأماكن والأوقات عاكسة ببراعة واقع المرأة المصرية الريفية المتعلمة والمثقفة ومعاناتها وسط زخم من العادات والتقاليد لمجتمع ذكوري ؛ لكنها تنجح في التعبير دون خوف من استلاب هويتها ................................................................ثمة ملاحظة مهمة جديرة بالإثبات بوصفها سمة من سمات كاتبتنا / كوثر سرحان ؛ وأعني بها كيفية بدء قصصها ببدايات تشد القارئ شدَّاً إليها ؛ حيث يقتضي التكثيف والإختزال وهما من أهم سمات القصة القصيرة أن يبدأ بناء القصة القصيرة مع أول كلمة، ومعها يشرع الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه، فإن هذه البداية تحمل الكثير من رؤية العمل وروحه؛ فيجب أن تكون البداية مشوِّقة محفزة للقارئ أن يواصل القراءة ليرى ما هي حكاية هذه القصة... وهكذا يمكننا مراقبة كيفية بدء كاتبتنا لقصصها كالآتي :- عندما انكسرت الشمس ؛ وتدلى الغيم ليعلن عن قدوم الليل ؛ ارتدت ملابسها الجميلة وتزينت بأجمل زينة ؛ وتأهبت بمشاعرٍ مرهفةٍ لاستقبال الحبيب الغائب ...( الانتظار)- كانت تصحو عند التقاء النهار بالليل – عند الفجر- مثلما يفيق باقي أفراد البيت ؛ تلوك معهم الخبز اللدن والجبن و( الدقة ) ؛ تلتقط كأسها الصفيح القديمة – التي كانت من قبل علبة سالمون - .. الخ( حلم الصغار )- كان دائماً يأتي مع والدته أو جدته لزيارة جدتي ؛ لوجود صلة قرابة بينهما ؛ كنا نتوارى منه ؛ نتوجس منه خيفة .. الخ( الشيخ )- كان مشهداً مثيراً يشد انتباه الجالسين أمام البيوت يتنسمون هواء ليل الصيف الحار ..( لعب مثير )- كانا صديقين متزوجين ؛ ذات مرة ذهبا معاً إلى الشام لحضور مؤتمر وعندما وصلا الفندق لفتت انتباههم فتاة الاستقبال اللبنانية ..( رحلة إلى الشام )- قررنا ذات مرة زيارة أحد الأقارب ؛ كانت المسافة طويلة ولكننا قررنا المشي لنتباطأ ونتلامس فيسرى في عروقنا الدفء والحنان ..( حب تحت المطر )- كنا نعمل في مدرسة واحدة ؛ تكبرني بسنوات ؛ هي عاملة وأنا مدرسة ؛ تربينا في مكان واحد ..( صديقتي )- ذهبت إلي السوق مع صديقة ..( المجذوب )- تصارع الزوجان كثيراً..( طفل الألفية الثالثة )- كنت أظن أنني سوف أكون سعيدة ..( ثمن الغربة )- كنا أطفالاً صغاراً نلعب ونمرح ..( صرخة ألم )- كانت تصحو من النوم فتقتات مما يقتات به من في البيت ..( الشخشيخة )لعلنا لاحظنا كيف يبدأ الحكي دائما بصيغة الماضي وخصوصاً بالفعل الناقص كان أو كنا أو كانت .. الخ وتلك خاصية تدل على مدى تأثر كاتبتنا بتراثنا المروي من الحكايات أو بتقنية الحكي العربية الموروثة منذ ألف ليلة وليلة وحواديت الجدات والأمهات .. كان ياما كان .. وهي تقنية من شأنها أن تشد انتباه القارئ أو السامع إلى الحاكي أو الراوي مما يجعله أكثر تفاعلاُ مع القص وبالتالي مما يسهل إثبات الأثر المرجو من الحكاية في نفس القارئ أو السامع .وهي – أي كاتبتنا – تنساب بصدق فني يطابق الصدق الحياتي لتجربتها المعيشة في الحقيقة .. ذلك أن شكل وبنية القصة القصيرة يدفعان الأديب أو يدعوانه علي الأقل بإلحاح إلي ضرورة توفير المتطلبات الجمالية بنفس قدر وكيفية متطلبات مشابهة الح��يقة وتحري الصدق ؛ بتقديم واقعي للحوادث والشخوص عن طريق تفاصيل رمزية ..فهي تعبرعن رغبتها في ممارسة حياتها كأنثى شرقية ..غير أنها – أي كاتبتنا – كثيراً ما تتخلى عن التفاصيل التي تعتمد على الكناية أو الرمز لصالح مطابقة التجربة الفنية للتجربة الحياتية .ولأنه يجب أن يكون العمل متماسكًا مكثفًا متخلصًا من السرد غير اللازم الذي يصيب العمل بالترهل، وربما كانت مقولة يوسف إدريس خير دليل، عندما قال: "إن القصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرة"، ولهذا يجب أن يكون العمل متماسكًا في وحدة عضوية شديدة، وأن يكون محكم البناء، وأن يمسك الكاتب بعناصر الكتابة جيدًا حتى يستطيع أن يفرغ على الورق كل ما يدور بداخله بدقة وصدق ليضمن وصوله إلى القارئ في سهولة وصدق أيضًا؛ ولهذا يجب أن تكون البداية والنهاية والحدث على درجة عالية من التكثيف والتركيز.. وتلك أيضاً من سمات كاتبتنا / كوثر سرحان التي نرى أهمية إثباتها لها .ولأنه لا مجال في القصة القصيرة لأي كلمة لا تخدم الهدف الأساسي للكاتب، وليس معنى ذلك أن الكاتب يكون قد حدد لنفسه هدفًا واحدًا تصب فيه فكرة قصته.. ولا يسعه الخروج منها أبداً، لكن الأمر يتلخص في وحدة الحالة الشعورية عند الكاتب التي تؤدي بالقارئ بعد انتهائه من القصة إلى أن يصل إلى النهاية التي وصل إليها الكاتب .. فـ"إدجار آلان بو" يصفها قائلاً: "يجب ألا تكتب كلمة واحدة لا تخدم غرض الكاتب". ويمكن أن نلمح هذا التكثيف والاختزال في القصص المعروضة في أروع ما كتب؛ حيث تلاحظ في غالبيتها أنه لا وجود لوصف لا يخدم غرض الكاتب، كما لا توجد شخصيات يمكننا حذفها دون إخلال بالسياق.. وكل ذلك متحقق – كما نرى – في قصص كاتبتنا تحققاً لا يُنكر .هذا ويتحدد عنصر الزمان عند كاتبتنا دائما بعبارات دالة على الوقت من أمثال :- عن التقاء النهار بالليل- عند الفجر- ذات يوم- مع انقضاء النهار- وقت الظهيرة ... الخ ..لكنك تعرف دائما أن زمن القص هو العصر الآني هو زمن تجربة الكاتبة الحياتية والتي هي على قيد الحياة .كما يتحدد عنصر المكان أيضاً بعبارات صريحة دالة من مثل :- البيت – البلدة – شجر القطن – الشام – السعودية – الحج- محطة الباص – الشارع – السيارة - ... الخ ..أقول ذلك لأن لعنصري الزمان والمكان أهمية قصوى في تحديد مسارات التلقي ؛ وفتح آفاق التخيل عنده أو تحديدها بما يخدم العمل الفني ذاته .ففيما يخص الزمان مثلاً فإن تحديد حقبة تاريخية معينة -بداية القرن التاسع عشر مثلا- كفيلة عند ذكرها في القصة أن تنقل المتلقي إلى عالم آخر، وكفيلة وحدها -إن أراد الكاتب- أن تنتقل بالمتلقي إلى عالم خاص من التعليم الديني والورش والصناعات الصغيرة والهدوء الذي يلف الناس.. والآمال المتواضعة والأحلام البسيطة .. إذن فالزمان وحده أضاف أبعادًا لا متناهية على القصة، ومثال آخر حينما يتحدث الكاتب عن الثالثة بعد منتصف الليل فإن ذلك ينتقل بالمتلقي إلى الرهبة والخوف والأعمال غير المشروعة، واللصوص، أو المؤمنين وسبحاتهم، أو الأم القلقة على وليدها المريض أو الزوجة القلقة على زوجها الذي تأخر.أما بخصوص المكان فمن خلال استخدام أدوات القص يمكنني أن أعرف ماهية المكان الذي تدور فيه وقائع القصة؛ فهل هو مكان مغلق، محدود بجدران وسقف، أم مكان مفتوح غير محدود بشيء؟ هل هو على شاطئ البحر أم على ظهر طائرة؟… إلخ؛ ولهذا دور مهم في تهيئة الجو الخاص للتلقي، خصوصاً إذا كان القاص يمتلك أدوات الوصف بشكل جيد.والزمان والمكان مرتبطان كثيرا في العمل القصصي؛ ففي المثال الذي أوردناه عن الزمان: الليل، فلا يمكن للمتلقي أن يركز في اتجاه قصة ما لم يعرف أين مكان هذا الزمان: في شارع مظلم، أم في شقة متواضعة، أم في وكر لعصابة؟.....................................................................إن الكتابة الإبداعية كالحلم .. لا يمكن التحكم فيه ؛ فهو يمزق تمسكنا الخاص بعالم الخبرة العادية أو بالمألوف الاعتيادي أو علي الأقل يعرقله ..ونحن عندما نقرأ أو نكتب فإنما نتبع دافعا ً مماثلا ً لدافع المسافر .. نأخذ سبيلنا عبر أقطار مجهولة بمساعدة خريطة ما .." خرجت من قلقها لحظات لتتعانق مع الحبيب في الخيال ؛ لكن سرعان ما عاد إليها القلق بقوة فيسحبها من خيالها لتهب واقفةً ؛ تتلفت حولها في عدم اتزان ؛ تدقق النظر في كل مار ؛ تتلهف في وقع كل قدم يقترب ؛ كثرت حركتها في الدخول والخروج ؛عمقت النظر في النجوم البارقة في سماء الليل الداكن "..( الانتظار )هكذا يتضح أن الذات الراوية لا تستطيع التخلي عن صراعها النفسي لتحظى بالآخر الرجل / الزوج الغائب ؛ وان المحرك الحقيقي الكامن خلف ذلك كله إنما هو الجسد ...لكن المبدعة كنوع من اللواذ بالقيمة وتأكيد الهوية لم تشأ أن تنجز هذه العلاقة واكتفت بإنهاء قصتها بهذه النهاية التعويضية في أنها نجحت في الانتصار على القلق .هذه اللغة المبدعة توجد عالمها الخاص المتجدد السريع التغير ؛ المقاوم لكل ما هو مألوف ومعتاد .. هكذا يصبح المنظر الطبيعي الخاص بفن الكتابة الإبداعية مأهولا ً ليس بالغرابة فحسب ؛ بل بالغربة والاغترابغرابة ربما تجعلنا ننقسم علي أنفسنا بحيث نصبح بعبارة أخري منفيين اختياريا ً.. فعندما تواجه الذات عالم الإبداع أو تدخله ؛ فينبغي أن تتهاوي بعيدا ً كل أشكال المألوف والعادي ؛ ..أو هكذا يبدأ الفن فينا عندما نفقد أثقالنا ؛ تلك التي تنوء بها عقولنا.ونحن لا نفقدها دون مقابل علي كل حال ؛فالإبداع يمنحنا بديلا ً عنها ؛ يمنحنا شعورا ً خافيا ً وثريا ً بالدهشة والمتعة .. شعورا ً يعزز فينا دوافعنا غيرالقابلة للتحكم فيها ؛ تلك الدوافع المملوءة بالبهجة والسعادة ؛ وربما بالخوف والرعب أيضا ً :" التجربة أثبتت أن القط يلعب مع الفأر ولا يأكله ؛ ومع شدة الترقب والانتظار ؛ أثار ذلك حفيظة احد الجالسين ؛ مما جعله ينهال ضرباً على الفأر فقتله ؛ فصدم القط صدمةً جعلته يجري إلى الفأر ؛ يقلب فيه بكفيه ؛ يصدر له مواءات ليفيق للعب معه ؛ لكن دون جدوي ؛ فذهب القط إلى القاتل ؛ ونظر إليه بضيق شديد ؛ ومواء مستمر لما أفسده عليه من الإثارة والمتعة ؛ ثم انصرف عنه وهو يتلفت له بين الحين والآخر حتى خرج من الشارع وغاب عن أعين الناظرين "..( لعب مثير )نعم .. إن الكتابة الإبداعية هي خبرات قوية وثيقة الصلة بتلك الحالات النفسية.. ذلك لأنها تلمع بشدة بفعل ظلال تومض وتطلق شررها ؛ ونحن في مواجهتها نعلو ؛ نحن نرتفع – أو ربما أيضا ً نهوي ونسقط – في مثل هذا العالم الذي أثارته في داخلنا تلك اللغة المثيرة للخيال والصور ؛ وبها تتجدد في داخلنا وتصحو كل الذكريات القريبة والبعيدة تتلاعب بنا ونتلاعب بها في نشوة ٍ وانتعاش ؛ ولو علي نحو مؤقت .وهكذا تتداخل الفضاءات الخاصة بالكلمات مع فضاءات الجسد ؛.. ولعله غير خاف ما تطرحه المجموعة من أهمية أن تتكامل المرأة بالرجل حسيّاً:" شعرا بالدمِ يجري في عروقهما ؛ وأحسا بإحساس المراهق الذي يعجب بفتاة لأول مرة " ..( رحلة إلى الشام )" حين وصلت للمنزل ؛ وكان ذلك في الثالثة صباحاً؛ دخلت شقتنا ولم تكن أنت معنا ؛ شعرت بالفرقة الشديدة عنك ؛ رحت أبحث عنك في كل غرفة ؛ بل في كل ركن ؛ في مقتنيات الشقة التي تحمل كل أسرارنا وأحاسيسنا من ليلة عرسنا إلى وقت سفرنا ؛ عشت في بكاء وشجن "..( ثمن الغربة )ها هنا بالذات يصبح الشخص موجوداً علي الحدود الخاصة بجسد تحول إلي كتابة أو كتابة تحوّلت إلي جسد ؛ حيث يحدث الخلط بين فضاء الجسد وفضاء الكتابة ؛ أو حيث تعلو الاستعارة الخيالية ؛ في حين تهبط هذه الاستعارة علي مذبح الواقع أيضا ً .هكذا تحمل الكتابة الأدبية علي عاتقها بلورة أخلاق أهل العصر وأطوارهم ومسئولية أن تصف ما عليه الناس في مختلف طبقاتهم ؛هكذا يتأسس الجانب الذاتي في قصص / كوثر سرحان على بنية احتفالية طقوسية تكشف عن أبعاد علاقات التوتر العنيف والمبدع بين هوية الذات الفردية المختلفة عن مثيلاتها جوهريا ً باعتبار فنيتها أو إبداعيتها؛ والهوية الجماعية الشرقية التي تنزع إلى محو أو قمع كل اختلاف من هذا النوع كما لو كان خطراً يهدد وحدتها ومعاني وجودها .إنها – كما أرى – كتابة تأريخ الذات واستعادة الكينونة المغيبة ؛ ولعل المرجع الأهم لكل دلالة إيجابية في القصص يكمن في قدرة الكاتبة على تحويل الذاكرة والهوية التقليدية إلى عناصر فعالة لإعادة بناء هوية الذات وفق شروط معرفية وجمالية تدفع بها نحو أفق إنساني أوسع وأبعد من كل الحدود والانتماءات الضيقة .نحن دائماً أمام شخصية مركبة مختلقة تقدمها لعبة الكتابة كقرين لشخصية الكاتبة أو كنقيض لها ؛ وفي كل الأحوال فان العلاقات الغنية والمتوترة بين هاتين الشخصيتين تخترق القصص من البداية إلى النهاية وهما تحضران معاً في كل اللحظات الحاسمة من القصص وتحولاتها.وأخيراً ..إذا جاز لي أن أحاول بلورة بعض سمات كتابة القاصة / كوثر سرحان في القصة القصيرة باستثناء قصتي ( ثمن الغربة ؛ وصحوة موت ) ؛ فإنما أقول :أولاً : إن مبدأ الوحدة أساس جوهري من أسس بناء القصة فنياً عندها ؛ وهو بلا شك أساس يميز كل قصة عن غيرها .ثانياً : إن مبدأ الموضوعية هو أيضاً أساس عندها ما دامت القصة تعالج موضوعاً واحداً أو جزئية من جزئيات حياتها..ثالثاً: مبدأ تفاصيل الإنشاء ؛ وذلك حرصاً على تأكيد مبدأ الوحدة والتكثيف فإن لديها عناية خاصة في كل ما يتصل بتفاصيل بنائها وإنشائها وذلك ضماناً للإحكام الفني ؛ وعليه فإن التفاصيل عندها هي جزء في البناء الكلي....ولا يسعني في نهاية هذه الإطلالة سوي أن أتمنى للكاتبة مزيداً من الإبداع والتألــق والنجاح ....من إطلالة الأديب/ يوسف أبو ريهد/عطا أبو ريه

كتابة تعليق

التحقق

كتب ذات صلة

المنتج غير متوفر حاليًا. أدخل عنوان بريدك الإلكتروني أدناه وسوف نقوم بإبلاغك بمجرد توفر المنتج.

 
 

 

 

البريد الالكترونى
رقم الهاتف