رؤيا الموت والحياة بين لوركا ونازك الملائكة

الموت والحياة آيتان من آيات الله الكبرى، بل هما قطبا الكون اللذان لا يستطيع أن يكمل سيرورته من دونهما، وإذا كانت الولادة تعني الحياة والحركة والحيوية، فإنّ الموت يعني نهايتها ويعني السّكون والجمود والثّبات.. والإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يدرك معنى الموت والحياة محاولاً فهم أسرارهما وظواهرهما، ولكنّ هذه المعرفة أو هذا الإدراك يختلفان من إنسان إلى آخر نتيجة الاختلاف في طريقة التّعامل مع (الموت والحياة) وطبيعة التّكوين الثّقافي لكلٍّ منهم، فالإنسان "هو بين قوسين وهذان القوسان هما: الولادة والموت". وقليلة هي الدراسات التي تناولت الموت والحياة في الشعر، فمن ذلك دراسة الدكتور عبد اللطيف جياووك (الحياة والموت في الشعر الجاهلي)، لكنّها اقتصرت على الشعر الجاهلي دون غيره، وكذلك دراسة بعنوان الموت في الشعر العربي السوري المعاصر، وليد مشوّح، وتقوم على تحليل فكري لإحساس الشاعر المعاصر بالموت، حيث سلّطت الضوء على مواقف بعض الشعراء المتأثّرين بمعطيات تراثية أو صوفية أو رمزية، وتحدّثت عن طرق الخلاص من قلق الموت، ولكنّها تخلو من أيّة مقارنة مع تجربة شعرية بلغة أخرى، وكتاب الشعر والموت، فؤاد رفقة، وهو دراسة تنظيريّة ركّزت جلّ اهتمامها على إبداعات الشاعرين الألمانيين هلدرين وريلكه، واحتفلت بموضوع الموت كونه تجربة تكمن في المخاطرة، كما استوعبتها بوصفها صيرورة لا بكونها واقعية، ويسيطر عليها الفكر الألماني والشعر الألماني، وفيما عدا ذلك لم نجد دراسة كاملة حول موضوع الموت، وإنّما وجدنا دراسات متفرقة في بطون الكتب والمجلات، من تلك الكتب، في الأدب المقارن دراسات نظرية وتطبيقية للدكتور الطاهر أحمد مكي، ويتضمّن مقالاً بعنوان "شاعران أمام الموت" (لوركا ونازك الملائكة)، وقد أفاد البحث منها في غير قضية، إذ تقف على مقارنةٍ لصورة الموت بين الشاعرين، ولكنّها جاءت مقتضبة وسريعة، وكتاب الرؤيا في شعر البياتي للدكتور محيي الدين صبحي، وفيه مبحث عن الموت في الشعر العربي، وكذلك في كتاب البنيات الدالة في شعر أمل دنقل، وكتاب اتجاهات الشعر العربي المعاصر للدكتور إحسان عباس، وكتاب الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر للدكتور عبد القادر القط، ووكتاب الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي للدكتور عبد القادر فيدوح، وغيرها من المقالات والدراسات المنشورة في المجلات. ومن هنا تكتسب هذه الدراسة مشروعيّتها، حيث تغدو المقارنة بين صورتي الموت والحياة بين لوركا ونازك الملائكة سبيلاً للكشف عن التشابه والاختلاف بين تجربتين شعريتين مختلفتين.