عالم السدود والقيود

تصدر هذه السلسلة الجديدة عن دار المحروسة ، لتلبية الحاجة الضرورية والملحّة لاكتشاف وإبراز الجوانب المهمة والمستبعدة والمهجورة عن عمد فى ثقافتنا المصرية والعربية ، فى ظل هذه الردّة الواضحة التى تحاول العصف بكل ماهو إيجابى ومضئ فى حياتنا الثقافية والفكرية والسياسية والأدبية والاجتماعية.وجدير بالذكر أن هناك تغييبا مقصودا فى ثقافتنا المعاصرة،وأن مسكوتا عنه فى تاريخنا الممتد عبر قرون مضت ،وأن هناك مؤسسات ثقافية رسمية كبرى لا تستطيع أن تتبنى ذلك المسكوت عنه بأى شكل من الأشكال ،حيث أن تلك المؤسسات مازالت مكبلة بقيود من داخلها، وكذلك تخضع لأشكال من الابتزاز الباهظ تحت عناوين وواجهات برّاقة لتخويف المسئولين،مرة باسم الدين ،ومرة باسم الأخلاق، ومرة ثالثة باسم الهوية ،ولأن ذلك الابتزاز أصبح ينمو بشكل بارز ،ويغرس بذوره بقوة فى المؤسسات ،فنحن نحتاج إلى سنوات كثيرة فى المستقبل لانتزاع تلك البذور السامة .وفى ظل هذا المناخ ، سنحاول بقدر الإمكان نشر التراث الثقافى المغدور عمدا ،والمستبعد بعناية فائقة ،هذا الاستبعاد الذى يشمل الثقافة العربية على مدى قرون بعيدة فائتة ، وفى أنحاء البلدان العربية ، وإذا كانت أشكال الاستبعاد السابقة واللاحقة ،قد طالت قامات ثقافية وفكرية عالية مثل طه حسين وعلى عبد الرازق وخالد محمد خالد واسماعيل أدهم ونجيب محفوظ ونصر حامد أبوزيد ،إلا أن كتابات كل هؤلاء راجت _فيما بعد_ بطريقة أو بأخرى ،لكن هناك مازالت كتابات أخرى لم يكتب لها ذلك الرواج ،حيث أن مؤلفيها لم يكونوا على قدر كبير من الشهرة والذيوع ،ولم يتبوأوا أى منصات أكاديمية أو سياسية ،ولذلك ذهبت كتاباتهم إلى زوايا النسيان .وفى تلك الزوايا ستبرز أشعار بيرم التونسى وعبد الحميد الديب ووجميل صدقى الزهاوى وبشار بن برد و"أبو نواس" ونجيب سرور وحلمى سالم وغيرهم ،حتى خليل مطران وأحمد شوقى وحافظ ابراهيم سقطت كتاباتهم تحت عجلات ذلك الإهمال المتعمد.وبالطبع ليس الشعر فقط كان هدفا وحيدا للاستبعاد ،ولكن النثر الأدبى كذلك نال سيف البتر والتهجير ،ذلك النثر الذى نشر على نطاقات ضيقة ومحدودة ،وربما كان هو الأصدق من كل ماهو معلن ،وأجمل من كل ماسمعناه على المنصّات العالية ، تلك المنصّات التى لا يشغلها سوى إرضاء السادة ،أصحاب أولى الأمر والمنح والمنع، ولأننا لن ننطلق من تلك المنصّات العالية ، سنخوض فى ذلك التراث المبتور والمغدور ،لإبرازه وتفعيله وطرحه من جدي