إخفاء
  • سلة الشراء فارغة !

    السعر
  • 26.39 SAR

السعر بدون ضريبة : 22.95 SAR
مَنْ هو القارئ العربي الذي لم يتأثَّر في فترة من حياته بالمنفلوطي، ولم يفتتن بأدبه، ولم يذرف الدموع الغزيرة عند قراءته؟ ماجدولين، الشاعر، الفضيلة، النظرات، في سبيل التاج ... إذا استثنينا بعض النصوص، كقصَّة ”الحلَّاق الثرثار“، فإن كتابات المنفلوطي مرتبطة بالحسرة والأسى والبكاء، وليس من المُصادفة أن يحمل أشهر مؤلَّف له عنوان العَبَرات. لقد جعل من الحزن مرادفاً للأدب – شأنه في ذلك شأن جبران خليل جبران – ؛ بل أكثر من ذلك، صيَّر الحزن قيمة: أن أكون حزيناً معناه أنني طيِّب، وديع ، أسعى إلى الخير والكمال. لكنْ، بقَدْر ما يفتتن المراهق بأدب المنفلوطي، بقَدْر ما ينفر منه فيما بعد، ويشيح بوجهه عنه، ويقطع صلته به نهائياً، وبدون رجعة. وعندما يذكره مع أصدقائه القدامى، فإنه لا يتمالك نفسه وينخرط وإيَّاهم في ضحك طويل. المنفلوطي الذي أرسى دعائم ما يمكن أن نطلق عليه شِعْرِيَّة الحزن لا يثير إلَّا السخرية والضحك! (وهو على أيِّ حال ردُّ فعل أحسن من الامتعاض الذي يثيره جبران). ثمَّ هناك شيء آخر: جُلُّ الكُتَّاب المُحدَثين تفتَّقت قريحتهم وانبثقت رغبتهم في الكتابة بعد أن قرؤوه. أجل، يبدؤون بالسير على خطاه، والنسج على منواله، ثمَّ يقلبون له ظهر المِجَنّ، ويتنكَّرون له. هل يوجد مؤلِّف عربي لم يكتب ضدَّه؟ لم يكن المنفلوطي يتكلَّم لغة أوروبية، ولربَّما لم يكن يرغب في ذلك، ولهذا يبدو أسلوبُه غارقاً في التقليد مشدوداً إلى الماضي. ومع ذلك، فكلُّ صفحة من صفحاته تهمس بسؤال واحد: كيف أكون أوروبياً؟ لا يُطرح أبداً هذا السؤال عنده صراحة، ولكنه وارد ضمنياً وبحياء شديد في كتاباته. ويمكن أن ندقِّق أكثر وأن نرى فيه جانبَيْن. الجانب الأوَّل ينمُّ عن استنكار واحتجاج: مَنْ يستطيع أن يَصمَني بميل إلى الأَوْرَبَة وأنا لا أُتقن إلَّا العربية، وأكتب كما كان يكتب أسلافي خلال العصور الذهبية للنثر العربي؟ أمَّا الجانب الثاني، فتبريري تشفُّعي: مَنْ قد يُنكر أنني أبذُل قصارى جهدي لاستيعاب أوروبا والوفاء لها؟   على غلاف كُتُبه نجد اسمه، بيد أننا لا نجد أسماء المؤلِّفين الفرنسيِّيْن الذين ”تَرجَم“ رواياتهم. لقد تشبَّع بهم إلى درجة أنهم صاروا جزءاً من كيانه ووجدانه، فلم يعد هنالك، على الإطلاق، داع لذِكْرهم أو حتَّى الإشارة إليهم. إن المنفلوطي هو إدمُون رُوسْتان، وبِرنَرْدان دي سان بييـر، وألِكسَندر دوما الإبن، وفرنسوا كُوبي، وألفونس كار، وشاتوبريان ... وعلى رغم ذلك، يظهر على الغلاف بنظرته الحزينة (طبعاً)، وبعِمَامَته وعباءته، بلباس تقليدي، ينظر إليكَ ولسان حاله يقول: ألستُ أزهرياً؟ ترى ماذا يوجد تحت العباءة؟ كيف كانت ملابسه الداخلية؟ لم أكن لأثير هذا السؤال الذي قد يبدو سمجاً لو لم أقرأ أنه كان مولعاً بالملابس الداخلية الأوروبية. أجل، هذا ما يؤكِّده العارفون بأحواله. لكنهم يشيرون إلى ذلك عرضاً ودون أن يتوقَّفوا عنده، يشيرون إليه من باب الدُّعَابَة، كخبر طريف، دون أن يفطنوا إلى معناه العميق، المأساوي والهزلي في آنٍ. اللباس الأوروبي سرُّ المنفلوطي، سرٌّ لا يمكنه البوح به، لأنه لصيق ببدنه، بذاته، فلا يظهر على غلاف الكُتُب، كما لا تظهر أسماء المؤلِّفين الأوروبيِّيْن. 

كتابة تعليق

التحقق

تخفيض على الكتب

40%

تصفح كتب العرض

تخفيض على الكتب

30%

تصفح كتب العرض

كتب ذات صلة

المنتج غير متوفر حاليًا. أدخل عنوان بريدك الإلكتروني أدناه وسوف نقوم بإبلاغك بمجرد توفر المنتج.

 
 

 

 

البريد الالكترونى
رقم الهاتف