تاريخ الأفكار السياسية المقارن

الأستاذ موريس روبان Morice Robin من كبار المفكرين في عالم السياسة وله مكانة جامعية مرموقة ومؤلفات مراجع تبوأ مراكز رفيعة مارس فيها مسؤوليات سياسية وثقافية تجمع بين الحقلين العلمي والنظري، وقد تجلت قيمة هذا الجمع يشكل موقف في كتابه "تاريخ الأفكار السياسية المقارن". صدر الكتاب عام 1988 فكان له واسع الصدى والانتشار. وكان طبيعياً أن يصار إلى ترجمته، فتولت مهمة التعريب الدكتورة "دعد قناب عائدة"، الكاتبة والصحافية، فقامت بالمهمة محافظة على روح الكتاب وحفظت تفاصيل ثمينة ما كان يجوز أن تهمل أو تضيع. هذه التفاصيل يزيدها قيمة خلو المؤلف من الحشو. فكل جملة منه في محلها. ويأتينا بها الأستاذ روبان وهو يتطلع إلى الأحداث والأفكار، متبيناً خطوطها الرئيسية وفلسفتها في نظرة شمولية فترد التفاصيل وكأنها صور حسية من فصول الحياة المجتمعة اليومية وما ذلك إلا وجه من واقعية في معالجة الأمور تكسب التطلعات بروزاً والواقع وضوحاً في ضوء النظريات المنبثقة منه. وهنا لا بد من التنويه بتماسك التسلسل وبالانسجام في البحث، على الرغم من شسوع الموضوع، وهو تاريخ شمولي ومقارن، يتغطى فوق العصور الطوال وقد أغناه المؤرخ القانوني بالرجوع حتى إلى ما قبل التاريخ. ومن أسباب الشسوع تشعب المواضيع. ولا غرو ومحورها الإنسان، مفكراً ومنظراً في مجالات السياسة وفي ما لها من صميم العلاقة بشتى حقول الوجود البشري في مجالات السياسة وفي ما لها من صميم العلاقة بشتى حقول الوجود البشري، الاقتصاد، المجتمع، الحرب، الثقافة... ويجوب الباحث تلك الحقول، متحسساً بما بينها من وثيق الترابط، وساعياً إلى جعل القارئ يشاطره ذلك التحسس. فعندما يتحدث عن الدولة، ينطلق من المجتمع لأنه يعتبرها مجتمعية وهو على تشعب المواضيع، لا يترك القارئ يضيع في متاهاتها، كما لا يترك تراكم المعطيات بطمس دور الفرد في مجتمعه. ويحلل عناصر السلطة، تداخلها متفاعلها من قطاع مال، إلى جيش، إلى سائر مرافق الدولة. وفي ما يتعلق بالجيش خصوصاً يبرز المؤلف ثابتة سياسية هي أن الحرب نشاط عملي أساسي من أنشطة المماليك، تعزز موقع الجيش في الدولة. ويربط فكرة الحرب والميل إليها بالمماليك أكثر منها بنظام آخر. وكان من الطبيعي أن يتطرق الباحث بعد هذا إلى أنواع الحكم وأن يحلل أسباب نأتها، على تعددها، وطرق حكمها وأثرها ودورها في حياة المجتمع، وكل ذلك يمت وثيقاً إلى أصول السلطة. وبعد ذلك يذود الباحث القارئ بمعلومات غنية المغازي عن النظرية الهندوسية في الموضوع، ويؤكد في نظرته الشمولية إلى ضرورة التوقف عند دور التاريخ الديني وتسلسله واندماجه في التاريخ العام، لما بينهما من تداخل وبالتالي من تكامل. من ذلك مثلاً، ما كان من أثر للتعاليم الدينية الأخلاقية في وضع حدود السلطان لمولك إسرائيل فللديانة متطلباتها الأخلاقية على صعيدي الفرد والمجتمع. وتلتقي اليهودية هنا والعقائد التي تحاسب أولى الأمر على تصرفاتهم، فتغمز من قناة من يبتز أموال الرعية جوراً ليتنعم بها ويغدقها على خاصته ومؤيديه. غير أن الناحية العقائدية، على أهميتها لا يجوز أن تطغى على الواقع على الحياة العملية، الحياة اليومية، من هنا تأكيد المؤلف على دور الاقتصاد في شتى حقول، وإلى درجة تجعل من الدولة شريكة فيه بشكل أو بآخر.